26‏/06‏/2016

المحاضرة السادسة -6- في مدخل الى علم الاقتصاد


المحاضرة السادسة -6- في مدخل الى علم الاقتصاد


كتاب تاريخ الأفكار و الوقائع الاقتصادية
الفصل الرابع :
الفكر الإقتصادي عند المركانتيليين
المبحث الأول :
التطورات الجديدة الممهدة لظهور المركانتيلية
قبل ظهور الميركانتيلية كمذهب اقتصادي و كسياسات اقتصادية فيما بعد , حدثت تطورات سياسية و اقتصادية و جغرافية و فلسفية ساهمت في ظهور الميركانتيلية و تطورها ومن تلك التطورات الجديدة :
أولاً: ولادة الدولة الحديثة :
في حين تميز القرنان الرابع عشر و الخامس عشر بسيطرة سلطة الإقطاعي , بدأ تحالف جديد في نهاية القرن الخامس عشر بين الملوك و البرجوازيين الجدد لمحاربة الإقطاعيين و بدأت سلطة المدن الجديدة تأخد مكانها حتى تطورت في القرن السادس عشر مشكلة سلطات مركزية و دول حديثة كبرى على امتداد أوروبا . وكانت هذه الدول الجديدة بحاجة إلى مؤسسات لخدمة الملوك و جيوش للدفاع عن أراضيها و بالتالي كانت بحاجة إلى موارد مالية ممثلة بشكل عام بالمعادن الثمينة كما كان لوفرة الموارد الأولية ولاكتشاف العملة الورقية دور في تحصيل ضرائب مرتفعة وبسط نفوذ الدولة و تقوية جيوشها , ولقد كانت الحرب هي الحالة الطبيعية بين تلك الدول الوطنية ,  حرب كل سنة .
أما عن أسباب هذه الحروب فهي :
أ – التنافس التجاري .
بـ ـ المحاولات التي تبذلها كل دولة من أجل تبديل السياسة التجارية للدولة الأُخرى .
جـ ـ من أجل أخذ الدولة لموقعها فيما وراء البحار .

ثانياً: الإكتشافات الجغرافية :
منذ نشوئها راحت الرأسمالية , التي تبحث عن المواد الأولية وتستفيد من التقدم في الصناعة البحرية , تغزو البلاد البعيدة وخصوصاً الهند عن طريق رأس الرجاء الصالح . ثم كانت قمة غزو البلاد البعيدة باكتشاف كريستوف كولومبس أميركا , حيث فتحت الإكتشافات الجغرافية الكبرى أمام أوروبا مجالات و مصادر واسعة لا تنضب من المواد الأولية و بتدفق الذهب و الفضة فاحتلت اسبانيا بسرعة كلاً من المكسيك و البيرو و أمنت حاجاتها من الذهب و الفضة الذي شكل مصدر قوتها خلال قرن من الزمن .
وكذلك فإن الاكتشافات الجديدة و التجارة مع عالم ما وراء البحار حملت بضائع جديدة إلى أوربا مثل الشاي و القهوة و الكاكاو والدخان و ...
ثالثاً:التطورات في الحياة الإقتصادية :
تطورت الرأسمالية الصناعية مستفيدة من الإكتشافات التقنية التي أدت إلى تراكم رأس المال , الذي تسبب خصوصاً من التجارة مع العالم الجديد و التقدم في الميدان الصناعي و الإزدهار الذي تحقق في النقل البحري . فنشأت طبقة البرجوازيين الكبار و الصيارفة . و بالمقابل فإن توسع الرأسمالية بهذا الشكل ولّد في أوربا  و خصوصاً في المناطق المتقدمة مشكلات اجتماعية حادة .
كذلك فإن استيراد الذهب و الفضة بكميات كبيرة من أميريكا ضاعف من كمية النقود الموضوعة في التبادل و خفض ثمنها مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وانخفاض القوة الشرائية للنقود . وهذا أدى إلى تغيرات كبيرة في أحوال مختلف الطبقات الإجتماعية .
رابعاً : الحركة الفكرية :
تميزت مرحلة نشوء الرأسمالية بالكشف عن الأعمال الفكرية القديمة , حيث تعلم كثير من المفكرين اللغة اليونانية و تعرفت أوروبا على أعمال أفلاطون و أرسطو .
لجأ عدد كبير من مثقفي اليونان إلى إيطاليا نتيجة نهاية الإمبراطورية اليونانية و دافعوا باتجاه العودة إلى القديم في الفكر و الأدب و الفن حتى عُرفت حركتهم باسم حركة (الإحياء) .
وكان للإكتشافات العلمية تأثير كبير في دفع تلك الحركة إلى الأمام ومن هذه الإكتشافات نذكر منها الطباعة و استخدام الورق .
امتدت تلك الحركة لتشمل أوربا بشكل عام و كان أشهر مؤسسيها عالم الآداب " ايرازام " و تزعمها في أنكلترا " تزماس مور" الذي نشر كتاب (يوطوبيا) المتأثر بكتاب الجمهورية لأفلاطون
وخلاصة القول إن تلك الحركة سعت إلى وضع مفهوم جديد للعالم حيث وصلت في بعض الأحيان إلى حد رفض المسيحية .
" بومبانازي " أحد أنصارها نشر كتاب بعنوان (معالجة حول خلود الإنسان) .
إلى جانب حركة الإحياء كانت هناك حركة أُخرى سميت بحركة الإصلاح الديني , وهي حركة ثورية معادية للكهنوتية .
إلا أن تلك الحركة لم تأخذ بُعدها إلا في سويسرا و فرنسا باعتناق جان كالفان لها حيث نشر كتاباً بعنوان (الدستور المسيحي) .
وقد كان كالفان يتساءل حول موضوع الفائدة أي أنه يُتابع اهتمام القديس " توما الأكويني " حول هذه المشكلة , فأقرها لأن الإقراض في تلك المرحلة (مرحلة تطور الرأسمالية) من أجل إقامة المشاريع الإنتاجية التي تحقق أرباحاً كبيرة و ليس من أجل الإستهلاك كما كان في القرون الوسطى و لكن كالفان وهو يقر الفائدة يشترط ألا تكون مرتفعة و أن تكون * نزيهة * . كما أن النشاط التجاري أصبح مُباحاً شريطة ألا تكون أرباح التجارة مبالغاً فيها .
إن الفلسفة الإقتصادية لكالفان هي تطور لفلسفة توما الأكويني .
أي أن فكر الإصلاح الديني فتح المجالات الإقتصادية و السياسية و الدينية و الأخلاقية أمام النزعة الجديدة للربح و الإثراء , و يدعم العالم النفساني الألماني ماكس ويبر وجهة نظر تقول : إن حركة الإصلاح الديني هذه كانت عاملاً حاسماً في ظهور أسلوب الإنتاج الرأسمالي .
المبحث الثاني :
الأفكار و السياسات المركانتيلية
تحولت أهداف البحث الإقتصادي من كيفية إثراء الفرد الذي كان سائداً قبل القرن السادس عشر إلى كيفية إثراء الدولة إي تحول من المثالية الفردية إلى المثالية السياسية , هذا يعني التحول من "اقتصاد الفرد" إلى "الاقتصاد السياسي" . لقد أصبح هناك اعتقاد بأن إثراء الدولة يمكن أن يتم بنفس طريق إثراء الفرد وهذا يتم بشكل أساسي عن طريق التجارة . ومن هنا جاءت كلمة مركانتيلية فهي مشتقة من كلمة تاجر بالإيطالية .
يشبه المركانتيليون إدارة المالية العامة بإدارة المالية الخاصة . أي أن الدولة لكي تصبح غنية يجب أن تبيع أكثر مما تشتري من الخارج و أن الميزان التجاري الرابح هو الذي يؤمن ثراء الوطن و أن هذا الثراء يتم عن طريق دخول المعادن الثمينة وخصوصاً الذهب و الفضة وعليه فإنه يجب تشجيع الصادرات ووضع الحواجز الجمركية أمام الواردات .
بعد دراسات جدية للمرحلة المركانتيلية أصبح هناك شبه اتفاق على ما يلي :
1 ) ليس هناك ما يسمى بمدرسة مركانتيلية سابقاً أي أن لقب (ميركانتيلية) أٌعطي لهم بعد فترة طويلة من الزمن من قبل الإقتصاديين الكلاسيك الأوائل و خصوصاً آدم سميث .
و أن الجدل الذي دار بينهم ليس على ضرورة إثراء الوطن فحسب بل عن كيفية تحقيق هذا الإثراء.
2 ) ليس صحيحاً ما يُعرف من أن الميركانتيليين خلطوا بين مفهوم الثورة و مفهوم النقد .
3 ) بعض الإقتصاديين المركانتيليين وصلوا إلى تحليلات على مستو رفيع للآليات الإقتصادية بل و أنهم طرحوا المشكلة الصعبة (للنمو الإقتصادي) .
4 ) كان الإقتصاديون ما بين القرن السادس عشر و الثامن عشر أمام ظاهرة تشكل الدول وحاجة كل من هذه الدول إلى أن تكون في موقع سياسي و اقتصادي أكثر صلابة من جاراتها و كانوا أمام واقع اكتشاف القارة الجديدة و تدفق النقد إلى إسبانيا .
في ظل هذه الظروف كانت أهم المواضيع التي تحتاج إلى بحث : المواضيع ذات الطابع النقدي .
و هذا ما قاد المركانتيليين إلى البحث في أهمية التجارة الخارجية لزيادة المخزون و إحداث التوسع الإقتصادي المرغوب فيه .
هذا و يمكن التمييز بين ثلاثة مراحل وأشكال لتطور المركانتيلية وهي :
أولاً : المركانتيلية النقدية في إسبانيا (في القرن السادس عشر) :
كانت السياسة و( ليس العقيدة ) المركانتيلية تهدف إلى كيفية استغلال الذهب المتدفق من المناطق البعيدة المكتشفة في زيادة ثروة الدولة . ولم تكن تلك السياسة مبنية على أية نظرية اقتصادية , و جعلهم يعتقدون أن تراكم الذهب و الفضة عند الدولة ليس فقط دليل الثروة و إنما مصدر الثروة أيضاً .
لذا مَنعوا خروج المعادن الثمينة و أقروا نظاماً يدعى *ميزان الإتفاقيات* (الذي يراد به أن لا شراء من أية دولة إلا بمقدار ما تشتري تلك الدولة من إسبانيا) .
لكن النظرية الكمية في النقد (الاقتصادي جان بودان) لاحظ أن تجميع الذهب و الفضة سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار و أن هذا التجميع لن يدوم لأن ارتفاع الأسعار سيؤدي إلى تخفيض الصادرات و ارتفاع الواردات و اختلال الميزان التجاري و هذا لن يصلّح إلا بالطرق المعدنية (الذهب و الفضة) و هذا سيؤدي من جديد إلى ارتفاع الأسعار .
ثانياً : المركانتيلية الصناعية في فرنسا (في القرن السابع عشر) :
إن القرن السابع عشر يعتبر مرحلة التمييز الفعلية بين المعادن الثمينة و الثروة .
ووفقاً لرأي أنطوان دومونكرسيتان في كتابه (معالجة الاقتصاد السياسي) : لا يصنع قوة الدولة غزارة تدفق الذهب و الفضة و إنما وجود الأشياء الضرورية للحياة و أن دولة ما تصبح أغنى من دولة أُخرى عندما تنتج أكثر منها . وعليه فإن تطوير الإنتاج الوطني أصبح هدف السياسة الوطنية.
يعتقد أنطونيو سارا أن كل زيادة في الإستثمارات الزراعية , لا يعطي بالضرورة زيادة في المردود بل تعطي مردوداً غير متزايد , بينما زيادة الإستثمارات الصناعية تعطي دائما مردوداً متزايداً , أي الصناعة هي النشاط الإقتصادي الأكثر إنتاجية .
لذا ساد اعتقاد بأن الحصول على ميزان تجاري رابح يكون بزيادة الصادرات من المنتجات الصناعية و تقليل الواردات منها .

و يقترح جان بودان من أجل سياسة وطنية صناعية ما يلي :
فرض ضرائب على المستوردات الجاهزة . Œ
 تقديم مكافآت على تصدير المواد المصنعة وطنياً . 
 منع تصدير المواد الأولية الوطنية و العمل على العكس من ذلك على استيراد أكبر كمية منها Ž
من الخارج .
أضيف إلى تلك السياسات في نفس الإتجاه ما يلي :
تطوير الإسطول التجاري الوطني .?
احتكار الإتصال بين الوطن و المستعمرات .?
السعي إلى نظام أحلاف لربط المستعمرات مع الوطن .?
في فرنسا كان كولبير (كان وزيراً) أشد المتحمسين لسياسة تطوير الصناعة و تسهيل زيادة الصادرات حيث قام بما يلي :
تخفيض أسعار البضائع .ï
مراقبة نوعية البضاعة المباعة إلى الخارج .ï
تخفيض الأجور ما أمكن .ï
منع ارتفاع تكاليف الحياة .ï
بالرغم من أن سياسة كولبير كانت في خدمة البرجوازية الصناعية أصلاً فإنها ساعدت في تطوير الصناعة و النقل البحري الفرنسي , إلا أنها كانت سياسة تجريبية و قصيرة النظر , فلم تستند إلى أي تحليل نظري جدي أو تحليل للآليات الإقتصادية .
ثالثاً : المركانتيلية التجارية في إنكلترا (في القرن الثامن عشر) :
هي المرحلة الأخيرة من تطور المركانتيلية وهي مرحلة صعبة التحليل .
فقد لاحظ توماس مان أن هناك آلية أوتوماتيكية لتوازن التبادل الدولي , و أن كل تطور في الإنتاج بحاجة إلى رؤوس أموال , و تلك يمكن تأمينها بسهولة عندما تكون نسبة الفائدة مرتفعة . و يقول أن " التجارة و الفائدة " ترتفعان و تنخفضان معاً .
على العكس منه جزيا شيلد يعتقد أنه يجب الوصول إلى أقل نسبة لفائدة رأس المال , لأن ذلك يساعد على خلق أعمال جديدة و يخفض الأسعار و يساعد بالتالي على المنافسة الدولية . كما يدعو إلى زيادة الأجور و إلى إيجاد فرص عمل جديدة , ومن هنا يأتي إعجاب كينز بالمركانتيلية .
تميزت المركانتيلية التجارية بعدة خصائص أهمها :
1 )) الإتجاه الواضح نحو الحرية في تنظيم الاقتصاد :
اعتبروا أن تدخل الدولة يعيق الصناعة , ودعوا إلى إلغاء الرقابة بشكل كامل على الصناعة وعلى التجارة الدولية .  ففون جوستلي يتمنى أن تتوجه الدولة نحو سياسة \اتركه يعمل\ لذا فهو يرفض مراقبة الأسعار أو تحديد نسبة الفائدة .
2 )) أخذت مشكلة النقد و نسبة الفائدة أهمية كبيرة :
 أصبح هناك اعتقاد بأن زيادة السيولة النقدية سوف تؤدي إلى انخفاض نسبة الفائدة , بالتالي تؤدي إلى تشجيع الأعمال و زيادة الإنتاج , أي إن أفكار جوزيا شيلد انتصرت على أفكار توماس مان .
3 )) الدراسات الإقتصادية أخذت مضموناً أكثر علمية :
و الدليل على ذلك :
قناعة الإقتصاديين الإنكليز بأن حركة انتقال المعادن الثمينة من و إلى خارج الدولة تخضع لقانون طبيعي وهو أن زيادة تدفق الذهب و الفضة سيؤدي إلى زيادة الكتلة النقدية وهذا يرفع السعر , مما يؤدي إلى انخفاض الصادرات .
البحث عن نظرية للقيمة و أُخرى للأسعار .
دراسات المركانتيليين حول السكان و الهجرة .
أما عن الفائدة فقد لاحظ المركانتيليون أن الفائدة ليست أجرة النقد و إنما هي أجرة رأس المال وباعتبارها سعراً فإن تحديده , أي تحديد نسبة الفائدة , لا يمكن أن يتم بشكل إلزامي و إنما يخضع أيضاً لعاملي الغرض و الطلب .
و أخيراً فإن أفضل دراساتهم كانت حول النقد و حول الميزان التجاري , وخصوصاً تمييز المركانتيليين بين الميزان التجاري و ميزان المدفوعات .


انتهت المحاضرة السادسة

0 التعليقات: