26‏/06‏/2016

المحاضرة التاسعة -9- لمدخل الى علم الاقتصاد


المحاضرة التاسعة -9- لمدخل الى علم الاقتصاد



الفرع الثاني :
السياسات الفيزوقراطية
المبحث الأول :
التطبيق العملي للفكر الفيزوقراطي
أولاً : دور الدولة :
دعا الفيزوقراطيون لإزالة كل التشريعات و القوانين الأُخرى المعرقلة لسيادة القانون الطبيعي , بما في ذلك دعوتهم إلى تقليص سلطة الدولة و إزالتها في النهاية .
و لكنهم رأوا أن تطبيق القانون الطبيعي يستوجب تدخل الدولة , شريطة أن يكون هذا التدخل في أضيق الحدود , أي أن تقوم بالمهام التالية :
 نشر التعليم الذي يساعد الأفراد على فهم مضمون القانون الطبيعي و الالتزام به .þ
 إقامة الطرق و القنوات و السدود و الجسور ... إلخ و كذلك القيام بالأشغال العامة التي تساعد þ
على زيادة إنتاجية القطاع الزراعي .
 تسهيل تصدير المنتجات الزراعية و تسهيل تبادلها داخلياً و خارجياً .þ
 تأمين الأمن و الطمأنينة لأصحاب الملكية و منع أي اعتداء يصيب الملكية أو يؤثر على þ
استغلالها .
ثانياً :سياسة المبادلات الداخلية و الخارجية :
لا يؤمن الفيزوقراطيون بحدود المبادلة لا على صعيد الداخل و لا على صعيد الخارج , فالتجارة الداخلية برأيهم أو المبادلة بين الأفراد , هي عملية غير منتجة و ذلك لأنها لا تؤدي إلى زيادة الثروة . هذا الموقف نتيجة عدم فهمهم للأشكال الأُخرى للثروة و حصر الثروة عندهم بشكلها المادي أي بزيادة الإنتاج .
أما فيما يتعلق بالمبادلة الخارجية فإن موقف الفيزوقراطيين المعادي لها هو في الحقيقة رد فعل لأفكار المركانتيليين الذين اعتقدوا بفوائد التجارة الخارجية .
أي أن التجارة الخارجية في نظرهم ليست مفيدة مثلها مثل الداخلية .
لكن ذلك لم يمنع الفيزوقراطيين من الإعتقاد بأن هناك تجارة واحدة فقط مفيدة داخل الوطن متمثلة في نقل المنتجات الزراعية من أيدي المزارعين إلى أيدي المستهلكين و هذا منسجم مع أفكارهم في اعتبار الزراعة المنتج الصافي الوحيد .
و نفس الشيء بالنسبة إلى المبادلات الخارجية فقد كانوا مع تجارة السلع الزراعية حصراً , أي مع تصدير المنتجات الزراعية المنتجة محلياً و على وجه الخصوص مع تجارة الحبوب من أجل تصريف الإنتاج و الحصول على السعر الجيد , و السعر الجيد عندهم هو السعر المرتفع أقصى ما يمكن .
و قد كان الفيزوقراطيون ضد تجارة النقد لأنهم وقفوا موقفاً معادياً للفائدة و بالتالي للإقراض بفائدة باستثناء الإقراض من أجل الإنتاج الزراعي .
ثالثاً : السياسات الضريبية :
الضرائب برأيهم يجب أن تؤخذ من الطبقة التي يعود إليها المنتج الصافي , وهي طبقة الملاك العقاريين , لأن الدخل الذي تأخذه الطبقتان الأُخريان المنتجة و العقيمة يذهب للاستهلاك و لتجديد الإنتاج , كما أن طبقة الملاك العقاريين تحصل على دخل دون أن تقدم عملاً بالمقابل . إضافة إلى أن الضريبة التي تدفعها هذه الطبقة لن تشعر بها لأنها سوف تؤخذ من قيمة الأرض و ليس من الربح الذي حصلت عليه هذه الأرض , و تلك الضريبة لن تؤثر في رأي الفيزوقراطيين على الإنتاج الزراعي لأنها لا تؤخذ من المزارعين .
و يعتبر الفيزوقراطيون أول من لاحظ عدم عدالة الضرائب غير المباشرة لأنها تؤخذ من كافة الطبقات دون الأخذ بعين الاعتبار للدخول التي تحصل عليها كل طبقة و لطبيعة هذه الدخول .
و هكذا فقد كانت الضريبة التي فرضوها ضريبة وحيدة مباشرة , إضافة إلى أنها فُرضت على الدخول الناتجة دون عمل ولم تُفرض على الطبقة المنتجة أو العقيمة .
تجدر الإشارة إلى أن السياسة الضريبية هي الوحيدة التي طبقت بين كافة السياسات التي نادى بها الفيزوقراطيون .
الفصل الثالث
آدم سميث و ظهور المدرسة الكلاسيكية
يعتبر آدم سميث مؤسس المدرسة الكلاسيكية و مذهب الحرية الاقتصادية وله الفضل في ترسيخ الاقتصاد كعلم لذا عرف بـ ( أب الاقتصاد السياسي ) .
يعترف سميث بوجود تناقض بين العدل الاجتماعي و النظام الاقتصادي الذي يتحقق بفعل المصالح الفردية و هذا يعني أنه ابتعد عن الفيزوقراطيين الذين لا يعترفون بوجود للعدل الاجتماعي .
لذا فهو يرى أن الحرية الاقتصادية هي الطريق لتحقيق العدل و لذلك أخذ يدعو ضمن نظام الحرية الاقتصادية للإنسان من أجل الثروة ومن أجل الفضيلة و الحلم في نفس الوقت .
لكن الفلسفة الاجتماعية لآدم سميث تبدو هشة عندما لاحظ هو نفسه أن الإنسان يسعى للثروة قبل سعيه للفضيلة .
لقد تضمن كتاب آدم سميث "ثروة الأمم" مجمل أفكاره حيث تضمن الكتاب الأول نظريته العامة في الانتاج و القيمة و التوزيع , بينما شمل الثاني شروط و نتائج التقدم الاقتصادي , وكان الثالث حول فكر و سياسة المركانتيليين و الفيزوقراطيين أما الأخير فاحتوى بعض المبادئ في العلوم المالية .

المبحث الأول :
القانون الطبيعي و المصلحة الفردية
                                                                                     
لا يبحث سميث مثل سابقيه عن الفعالية الاقتصادية الأكثر انتاجية , و إنما يبحث عن النظام الأكثر ملائمة و تسهيلاً للتقدم الاقتصادي .
على الرغم أن سميث مثل الفيزوقراطيين يعتقد بالقانون الطبيعي , و بالرغم من أنه مثلهم متفاءل بالمستقبل الذي سيسود فيه النظام الطبيعي إلا أنه يختلف عنهم في طريق تحقيق النظام الطبيعي .
فهو يتحقق برأيه من تلقاء نفسه بفعل النزعة الانسانية شريطة ألا تضع السلطة العامة العقبات في طريقه .
يرتبط الناس برأيه فيما بينهم بروابط التضامن العضوي أو اللاإرادي و أن أياً منهم عندما يبحث عن منفعته الشخصية فإنه ينفع المجتمع بشكل عام . و إن الانسان عندما يسعى من أجل نفسه يخدم المجتمع بشكل أفضل مما لو أراد خدمة المجتمع مباشرة . أي أن هناك تناغماً بين المنفعة الشخصية و المنفعة العامة .
إن النظام العفوي قادر على حل المشكلة شريطة أن تؤمن المنافسة بين الناس , فإذا حدث خلل بين الانتاج و الحاجات فإن قوى العرض و الطلب كفيلة بإعادة التوازن من جديد . لذلك لا داعي لوجود قوانين و تشريعات و تدخل من قبل الدولة في الحياة الاقتصادية و تبقى مهمتها محصورة في تأمين المنافسة الكاملة بين المنتجين و المستهلكين و إزالة العقبات التي تقف في وجه النظام الطبيعي .
إن أفكار سميث حول النظام الطبيعي و المنفعة الشخصية لم تعد اليوم ذات أهمية تذكر حيث تأكد عدم إمكانية الوصول إلى نظام تتحقق فيه المنافسة الكاملة بل إن الحرية الإقتصادية على العكس قادت إلى الاحتكار .
المبحث الثاني :
العمل سبب الثروة
ركز كتاب "ثروة الأمم" على العوامل و الأسباب التي تؤدي و تساعد على زيادة الثروة , حيث بيَّن سميث أن العمل هو العنصر الأساسي و الحاسم في عملية الإنتاج و بالتالي في الثروة .
و يختلف سميث مع المركانتيليين بأن تراك الذهب و الفضة لا يزيد الثروة بل ولا يشكل أساساً الفعاليات الاقتصادية , لهذا فهو يدعو إلى تنشيط النقد الورقي و اعتماده في التداول .
لا يعتقد سميث خلافاً للفيزوقراطيين بأن مصدر الثروة هو الأرض مؤكداً أن العمل الوطني هو مصدر الثروة برغم عدم انكاره لدور الطبيعة كعامل مساعد في إنتاج الثروة .
يؤكد سميث أن الزراعة هي أكثر إنتاجية من الصناعة و التجارة . أي أنه يختلف مع الفيزوقراطيين باعتبار أن العمل الصناعي و التجاري منتجاً أيضاً و إن كان أقل انتاجية من العمل الزراعي .
وفي تمييز سميث للعمل المنتج و العمل الغير منتج يشير لأعمال منتجة كالعمل الزراعي و الصناعي و أعمال غير منتجة كأعمال  الموظفين و العسكريين و الأطباء و المحامين و رجال الدين و العاملين في الخدمات .
أفضل ما يميز تحليل سميث إدخاله لمفهوم انتاجية العمل , حيث بيَّن أن الانتاجية تزداد بتقسيم العمل , و يُرجع زيادة الانتاجية عند تقسيم العمل للأسباب التالية :
 زيادة حذاقة و مهرة العمال نتيجة تخصصهم في مرحلة من مراحل الإنتاج .
 التوفير في الوقت الذي يمكن تحقيقه عند كل عامل نتيجة عدم انتقاله من نوعية عمل إلى نوعية
أُخرى .
 استخدام الآلات بشكل مستمر نتيجة التخصص و الزيادة في كمية الإنتاج .ƒ
إن تقسيم العمل يحتاج إلى مانيفكتورات تضم عدداً كبيراً من العمال وهذا بدوره يحتاج إلى رأس مال كبير .
إن الدور الرئيسي لرأس المال عند سميث يتمثل في زيادته لإنتاجية العمل وذلك عن طريقتين :
إما السماح بتقسيم العمل .
و إما بتزويد العمال بأدوات أكثر تقدماً .
خلاصة القول إن سميث عندما اعتبر أن العمل مصدر جميع الثروات لم يهمل دور كل من الطبيعة ممثلة في الأرض و دور رأس المال في العملية الإنتاجية .
المبحث الثالث :
نظرية القيمة و الأسعار
يعتبر سميث العمل مقياس القيمة خلافاً للمركانتيليين الذين يقيسون القيمة في المعادن الثمينة و الفيزوقراطيون الذين يقيسونها بالحبوب .
يميز سميث بين قيمة استعمالية وقيمة تبادلية , وهذا ليس جديداً في الفكر الاقتصادي , ولكن سميث يضيف أن الأشياء التي تكون قيمتها الاستعمالية كبيرة تكون قيمتها التبادلية قليلة , و العكس الأشياء التي قيمتها التبادلية كبيرة تكون قيمتها الاستعمالية قليلة . و يعطي مثلاً على ذلك الماء و الماس .
يركز سميث اهتمامه على القيمة التبادلية , و يرى أنها المنفعة الاجتماعية لسلعة ما , و لذا فإنها هي التي يجب أن تحدد قيمة السلعة , وفي رأيه فإن هذه القيمة تعادل كمية العمل الضروري من أجل إنتاج السلعة .
يميز سميث بين سعرين للبضاعة :
 سعر السوق أي السعر الذي تأخذه البضاعة في السوق . و يتحدد برأيه عن طريق العرض و Œ
الطلب .
 السعر الحقيقي و هو يعادل تكلفة إنتاج البضاعة .
و يقول أنه قد يختلف سعر السوق عن السعر الحقيقي على المدى القصير , و لكن هذين السعرين سوف يتعادلان بعد ذلك .
إلا أن سميث في اعتباره العمل مقياس القيمة يصطدم بصعوبتين اثنتين :
 صعوبة قياس العمل المبذول في إنتاج سلعة ما لاختلاف نوعية العمل .ï
 إن العمل لوحده لا يخلق الأشياء و إنما هو بحاجة إلى استعمال للأرض و لرأس المال و هذا ï
الاستعمال يدخل تكاليف أُخرى في القيمة و هي تكاليف استعمال الأرض و استعمال رأس المال .

انتهت المحاضرة التاسعة


0 التعليقات: