المحاضرة التاسعة -9- لمدخل الى علم الاقتصاد
الفرع الثاني :
السياسات الفيزوقراطية
المبحث الأول :
التطبيق
العملي للفكر الفيزوقراطي
أولاً : دور الدولة :
دعا الفيزوقراطيون
لإزالة كل التشريعات و القوانين الأُخرى المعرقلة لسيادة القانون الطبيعي , بما في
ذلك دعوتهم إلى تقليص سلطة الدولة و إزالتها في النهاية .
و لكنهم رأوا أن
تطبيق القانون الطبيعي يستوجب تدخل الدولة , شريطة أن يكون هذا التدخل في أضيق
الحدود , أي أن تقوم بالمهام التالية :
نشر التعليم الذي يساعد الأفراد على فهم مضمون
القانون الطبيعي و الالتزام به .þ
إقامة الطرق و القنوات و السدود و الجسور ...
إلخ و كذلك القيام بالأشغال العامة التي تساعد þ
على زيادة إنتاجية
القطاع الزراعي .
تسهيل تصدير المنتجات الزراعية و تسهيل تبادلها
داخلياً و خارجياً .þ
تأمين الأمن و الطمأنينة لأصحاب الملكية و منع
أي اعتداء يصيب الملكية أو يؤثر على þ
استغلالها .
ثانياً :سياسة المبادلات
الداخلية و الخارجية :
لا يؤمن
الفيزوقراطيون بحدود المبادلة لا على صعيد الداخل و لا على صعيد الخارج , فالتجارة
الداخلية برأيهم أو المبادلة بين الأفراد , هي عملية غير منتجة و ذلك لأنها لا
تؤدي إلى زيادة الثروة . هذا الموقف نتيجة عدم فهمهم للأشكال الأُخرى للثروة و حصر
الثروة عندهم بشكلها المادي أي بزيادة الإنتاج .
أما فيما يتعلق
بالمبادلة الخارجية فإن موقف الفيزوقراطيين المعادي لها هو في الحقيقة رد فعل
لأفكار المركانتيليين الذين اعتقدوا بفوائد التجارة الخارجية .
أي أن التجارة
الخارجية في نظرهم ليست مفيدة مثلها مثل الداخلية .
لكن ذلك لم يمنع
الفيزوقراطيين من الإعتقاد بأن هناك تجارة واحدة فقط مفيدة داخل الوطن متمثلة في
نقل المنتجات الزراعية من أيدي المزارعين إلى أيدي المستهلكين و هذا منسجم مع
أفكارهم في اعتبار الزراعة المنتج الصافي الوحيد .
و نفس الشيء
بالنسبة إلى المبادلات الخارجية فقد كانوا مع تجارة السلع الزراعية حصراً , أي مع
تصدير المنتجات الزراعية المنتجة محلياً و على وجه الخصوص مع تجارة الحبوب من أجل
تصريف الإنتاج و الحصول على السعر الجيد , و السعر الجيد عندهم هو السعر المرتفع
أقصى ما يمكن .
و قد كان
الفيزوقراطيون ضد تجارة النقد لأنهم وقفوا موقفاً معادياً للفائدة و بالتالي
للإقراض بفائدة باستثناء الإقراض من أجل الإنتاج الزراعي .
ثالثاً : السياسات الضريبية :
الضرائب برأيهم يجب
أن تؤخذ من الطبقة التي يعود إليها المنتج الصافي , وهي طبقة الملاك العقاريين ,
لأن الدخل الذي تأخذه الطبقتان الأُخريان المنتجة و العقيمة يذهب للاستهلاك و
لتجديد الإنتاج , كما أن طبقة الملاك العقاريين تحصل على دخل دون أن تقدم عملاً
بالمقابل . إضافة إلى أن الضريبة التي تدفعها هذه الطبقة لن تشعر بها لأنها سوف
تؤخذ من قيمة الأرض و ليس من الربح الذي حصلت عليه هذه الأرض , و تلك الضريبة لن
تؤثر في رأي الفيزوقراطيين على الإنتاج الزراعي لأنها لا تؤخذ من المزارعين .
و يعتبر
الفيزوقراطيون أول من لاحظ عدم عدالة الضرائب غير المباشرة لأنها تؤخذ من كافة
الطبقات دون الأخذ بعين الاعتبار للدخول التي تحصل عليها كل طبقة و لطبيعة هذه
الدخول .
و هكذا فقد كانت
الضريبة التي فرضوها ضريبة وحيدة مباشرة , إضافة إلى أنها فُرضت على الدخول
الناتجة دون عمل ولم تُفرض على الطبقة المنتجة أو العقيمة .
تجدر الإشارة إلى
أن السياسة الضريبية هي الوحيدة التي طبقت بين كافة السياسات التي نادى بها
الفيزوقراطيون .
الفصل الثالث
آدم سميث و ظهور المدرسة الكلاسيكية
يعتبر آدم سميث
مؤسس المدرسة الكلاسيكية و مذهب الحرية الاقتصادية وله الفضل في ترسيخ الاقتصاد
كعلم لذا عرف بـ ( أب الاقتصاد السياسي ) .
يعترف سميث بوجود
تناقض بين العدل الاجتماعي و النظام الاقتصادي الذي يتحقق بفعل المصالح الفردية و
هذا يعني أنه ابتعد عن الفيزوقراطيين الذين لا يعترفون بوجود للعدل الاجتماعي .
لذا فهو يرى أن
الحرية الاقتصادية هي الطريق لتحقيق العدل و لذلك أخذ يدعو ضمن نظام الحرية
الاقتصادية للإنسان من أجل الثروة ومن أجل الفضيلة و الحلم في نفس الوقت .
لكن الفلسفة
الاجتماعية لآدم سميث تبدو هشة عندما لاحظ هو نفسه أن الإنسان يسعى للثروة قبل
سعيه للفضيلة .
لقد تضمن كتاب آدم
سميث "ثروة الأمم" مجمل أفكاره حيث تضمن الكتاب الأول نظريته العامة في
الانتاج و القيمة و التوزيع , بينما شمل الثاني شروط و نتائج التقدم الاقتصادي ,
وكان الثالث حول فكر و سياسة المركانتيليين و الفيزوقراطيين أما الأخير فاحتوى بعض
المبادئ في العلوم المالية .
المبحث الأول :
القانون
الطبيعي و المصلحة الفردية
لا يبحث سميث مثل
سابقيه عن الفعالية الاقتصادية الأكثر انتاجية , و إنما يبحث عن النظام الأكثر
ملائمة و تسهيلاً للتقدم الاقتصادي .
على الرغم أن سميث
مثل الفيزوقراطيين يعتقد بالقانون الطبيعي , و بالرغم من أنه مثلهم متفاءل
بالمستقبل الذي سيسود فيه النظام الطبيعي إلا أنه يختلف عنهم في طريق تحقيق
النظام الطبيعي .
فهو يتحقق برأيه من
تلقاء نفسه بفعل النزعة الانسانية شريطة ألا تضع السلطة العامة العقبات في طريقه .
يرتبط الناس برأيه
فيما بينهم بروابط التضامن العضوي أو اللاإرادي و أن أياً منهم عندما يبحث عن
منفعته الشخصية فإنه ينفع المجتمع بشكل عام . و إن الانسان عندما يسعى من أجل نفسه
يخدم المجتمع بشكل أفضل مما لو أراد خدمة المجتمع مباشرة . أي أن هناك تناغماً بين
المنفعة الشخصية و المنفعة العامة .
إن النظام العفوي
قادر على حل المشكلة شريطة أن تؤمن المنافسة بين الناس , فإذا حدث خلل بين الانتاج
و الحاجات فإن قوى العرض و الطلب كفيلة بإعادة التوازن من جديد . لذلك لا داعي
لوجود قوانين و تشريعات و تدخل من قبل الدولة في الحياة الاقتصادية و تبقى مهمتها
محصورة في تأمين المنافسة الكاملة بين المنتجين و المستهلكين و إزالة العقبات التي
تقف في وجه النظام الطبيعي .
إن أفكار سميث حول
النظام الطبيعي و المنفعة الشخصية لم تعد اليوم ذات أهمية تذكر حيث تأكد عدم
إمكانية الوصول إلى نظام تتحقق فيه المنافسة الكاملة بل إن الحرية الإقتصادية على
العكس قادت إلى الاحتكار .
المبحث الثاني :
العمل
سبب الثروة
ركز كتاب
"ثروة الأمم" على العوامل و الأسباب التي تؤدي و تساعد على زيادة الثروة
, حيث بيَّن سميث أن العمل هو العنصر الأساسي و الحاسم في عملية الإنتاج و بالتالي
في الثروة .
و يختلف سميث مع
المركانتيليين بأن تراك الذهب و الفضة لا يزيد الثروة بل ولا يشكل أساساً الفعاليات
الاقتصادية , لهذا فهو يدعو إلى تنشيط النقد الورقي و اعتماده في التداول .
لا يعتقد سميث
خلافاً للفيزوقراطيين بأن مصدر الثروة هو الأرض مؤكداً أن العمل الوطني هو مصدر
الثروة برغم عدم انكاره لدور الطبيعة كعامل مساعد في إنتاج الثروة .
يؤكد سميث أن الزراعة
هي أكثر إنتاجية من الصناعة و التجارة . أي أنه يختلف مع الفيزوقراطيين باعتبار
أن العمل الصناعي و التجاري منتجاً أيضاً و إن كان أقل انتاجية من العمل الزراعي
.
وفي تمييز سميث
للعمل المنتج و العمل الغير منتج يشير لأعمال منتجة كالعمل الزراعي و الصناعي و
أعمال غير منتجة كأعمال الموظفين و
العسكريين و الأطباء و المحامين و رجال الدين و العاملين في الخدمات .
أفضل ما يميز تحليل
سميث إدخاله لمفهوم انتاجية العمل , حيث بيَّن أن الانتاجية تزداد بتقسيم العمل ,
و يُرجع زيادة الانتاجية عند تقسيم العمل للأسباب التالية :
زيادة حذاقة و مهرة العمال نتيجة تخصصهم في
مرحلة من مراحل الإنتاج .
التوفير في الوقت الذي يمكن تحقيقه عند كل عامل
نتيجة عدم انتقاله من نوعية عمل إلى نوعية
أُخرى .
استخدام الآلات بشكل مستمر نتيجة التخصص و
الزيادة في كمية الإنتاج .
إن تقسيم العمل
يحتاج إلى مانيفكتورات تضم عدداً كبيراً من العمال وهذا بدوره يحتاج إلى رأس مال
كبير .
إن الدور الرئيسي
لرأس المال عند سميث يتمثل في زيادته لإنتاجية العمل وذلك عن طريقتين :
إما السماح بتقسيم
العمل .
و إما بتزويد
العمال بأدوات أكثر تقدماً .
خلاصة القول إن
سميث عندما اعتبر أن العمل مصدر جميع الثروات لم يهمل دور كل من الطبيعة ممثلة في
الأرض و دور رأس المال في العملية الإنتاجية .
المبحث الثالث :
نظرية
القيمة و الأسعار
يعتبر سميث العمل
مقياس القيمة خلافاً للمركانتيليين الذين يقيسون القيمة في المعادن الثمينة و الفيزوقراطيون
الذين يقيسونها بالحبوب .
يميز سميث بين قيمة
استعمالية وقيمة تبادلية , وهذا ليس جديداً في الفكر الاقتصادي , ولكن سميث يضيف
أن الأشياء التي تكون قيمتها الاستعمالية كبيرة تكون قيمتها التبادلية قليلة , و
العكس الأشياء التي قيمتها التبادلية كبيرة تكون قيمتها الاستعمالية قليلة . و
يعطي مثلاً على ذلك الماء و الماس .
يركز سميث اهتمامه
على القيمة التبادلية , و يرى أنها المنفعة الاجتماعية لسلعة ما , و لذا فإنها هي
التي يجب أن تحدد قيمة السلعة , وفي رأيه فإن هذه القيمة تعادل كمية العمل الضروري
من أجل إنتاج السلعة .
يميز سميث بين
سعرين للبضاعة :
سعر السوق أي السعر الذي تأخذه البضاعة في السوق
. و يتحدد برأيه عن طريق العرض و
الطلب .
السعر الحقيقي و هو يعادل تكلفة إنتاج البضاعة .
و يقول أنه قد
يختلف سعر السوق عن السعر الحقيقي على المدى القصير , و لكن هذين السعرين سوف
يتعادلان بعد ذلك .
إلا أن سميث في
اعتباره العمل مقياس القيمة يصطدم بصعوبتين اثنتين :
صعوبة قياس العمل المبذول في إنتاج سلعة ما
لاختلاف نوعية العمل .ï
إن العمل لوحده لا يخلق الأشياء و إنما هو بحاجة
إلى استعمال للأرض و لرأس المال و هذا ï
الاستعمال يدخل
تكاليف أُخرى في القيمة و هي تكاليف استعمال الأرض و استعمال رأس المال .
انتهت المحاضرة التاسعة
0 التعليقات: